زايد وسباقات الهجن :-
والهجن العربية الأصيلة واحدة من رموز التراث العربي بشكل عام والخليجي بشكل خاص ، وعلى الرغم من الطفرة التي شهدتها دولة الإمارات العربية المتحدة في جميع المجالات تحت قيادة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة . حفظه الله ، إلا أن اعتزاز أهلها وفي مقدمتهم سموه بالهجن العربية الأصيلة ومحافظتهم عليها والحرص على اقتنائها يبقى محل اندهاش الكثيرين ممن يشاهدون آثار هذه الطفرة في كل مكان ، ويشاهدون في الوقت نفسه الهجن العربية لا تزال موجودة لدى كثير من مواطنين ، تحظى برعاية واهتمام كبيرين ، ويشهد على حبهم لتراثهم وتمسكهم به ... ويجسد ذلك ما قاله سموه : " وفاءً منا للإبل لما أسدته لأسلافنا ولنا من بعدهم من خدمات وقت أن كنا نعتمد عليها في كل حياتنا وتنقلاتنا ورحلاتنا فإننا نهتم بها ونكرمها لسبق أفضالها علينا وعاى أجدادنا " .
لقد كان من عادة أهل البلاد أن يقيموا سباقات للهجن العربية الأصيلة في الأعياد وبعض المناسبات الأخرى ، وذلك في مضارب البدو في " البر " أي الصحراء ، وكانت هذه السباقات فرصة للفرحة وإلقاء القصائد في المدح والفخر والغزل العفيف ، وكان من يفوز في السباق يحصل على " الناموس " . وجاء زايد وهو يعرف ما يفرح شعبه ، ومايسره ، فشهدت هذه الرياضة على يدية تطوراً كبيراً ، فأقام مضامير سباق خاصة لها ، مزودة بكل وسائل الراحة لها ولأصحابها المشاركين في السباقات ، ولجمهور المشاهدين ، وبها أماكن خاصة وتسهيلات لرجال الإعلام والبث التلفزيوني ، وأنشأ اتحاد الإمارات للهجن ، الذي يرأسه حالياً سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان ، وزير الدولة للشؤون الخارجية ، الذي يشرف على تنظيم هذه السباقات التي يحضرها صاحب السمو رئيس الدولة ويحضر كذلك السباق الختامي السنوي لها وبمعيته إخوانه أصحاب السمو حكام الإمارات وأولياء العهود ، وتتحول هذه السباقات إلى احتفالات وأفراح بحضور أصحاب الشيوخ وإلى جانبهم ضيوف البلاد وجماهير غفيرة من المواطنين ترى في هذه السباقات فرصة للسلام على صاحب السمو وإخوانه الحكام وللتعبير عن فرحتها بهذا الحضور والترحيب بصاحب السمو رئيس الدولة وبضيوفة الأعزاء . ويتولى اتحاد الإمارات لسباقات الهجن وضع القواعد المنظمة للسباقات وتحديد اعمار الإبل المشاركة في كل سباق ، وكذلك الفصائل والسلالات الخاصة بها ، ويحدد أيضاً أعداد ونوعيات المتنافسين في كل شوط ، ويوفر العلاج والدواء للإبل سواء منها التي تشارك في السباقات ، أو تلك التي تقتنى لأغراض أكل لحومها وشرب ألبانها ، أو لأغراض الفلاحة والرعي ونقل الأحمال في الصحراء .
زايد والسباقات البحرية :-
ومن رياضة الصقور والهجن إلى رياضة البحر ، وهي سباقات القوارب أو ( المحامل ) كما يعرفها أهلها ، وهي رمز من رموز التراث الشعبي لأهل المنطقة واهل الإمارات من بينهم ، حيث مثلت القوارب باختلاف أنواعها وأحجامها عصب الحياة البحرية لأهل البحر في الدولة ، واعتمدوا عليها في الغوص وفي صيد الأسماك ، وفي التجارة والترحال ، وولعوا حباً بالبحر والقوارب ، وكانت الكبيرة منها وهي السفن المستعملة في الغوص بمثابة بيوت حقيقية متحركة يعيش عليها ( رعاة الغوص ) شهوراً تكاد تصل إلى الستة من كل عام ، فلا غرو أ يتعلقوا بها وان يجتروا ذكرياتهم فيها وعليها بكل ما كان في هذه الذكريات من حلاوة أو مرارة ، وفجأة توقفت رحلات الغوص التى تحمل سحراً كسحر ليالي ألف ليلة بما حوته من مغامرات ودندنات بثها النهام حرارة الشوق إلى الأهل والخلان ، وتمنى فيها العودة إليهم باللؤؤ والمرجان ، لولا الصيد لما كان للقوارب والسفن وصناعتها نصيب من حياة اليوم عند أهل المنطقة .
لكن كيف يختفي هذا الرمز من رموز التراث الشعبي وزايد عاشق التراث الواعي لدوره وأهميته بالمرصاد لكل ريح تحاول أن تقتلع غرساً طيباً من غراس هذا الشعب ، وبعين بصيرة ، وبصيرة نافذة رأى زايد حب قومه للبحر ، والمحامل ، وحنينهم لذكريات القوة والفتوة التي ربطت بينهم وبين البحر والمحامل في ثلاثية جدل الزمان الجميل أطرافها ، وكان من الصعب على زمان النفط أن يحل ضفيرتها ، فأمر بتطوير سباقات بسيطة كان القوم ينظمونها على سبيل الترويح عن النفس حيناً ، وعلى سبيل الرياضة والتنافس الشريف أحياناً ، وكانت البداية أن أمرسموه حفظه الله بتشكيل اللجنة المنظمة للسباقات البحرية ، وخصص لها دعماً مالياً سنوياً كبيراً ، وكثيراص ما حضرها سموه ليسلم بنفسه الجوائز والهدايا على الفائزين في هذه السباقات ، وأوكل سموه إلى اللجنة المذكورة تنظيم السباقات البحرية لإشباع حنين ( الشواب ) إلى هذه الرياضة ، وتنمية هذه الهواية في نفوس الشباب ، وبالفعل فقد التقت الأجيال على متن المحمل الواحد ، فترى الإبن والأب ، وأحياناً الجد ، على متن محمل واحد يشد بعضهم أزر بعض ، ويتنافسون مع غيرهم من صاحبي وراكبي المحامل الأخرى للفوز بالناموس . ثم كان نادي تراث الإمارات ، أحد الصروح الكبيرة والمميزة في مجال التراث بالعاصمة أبوظبي ، امتداداً لتلك اللجنة المنظمة للسباقات البحرية التي كان زايد الخير قد أمر بتشكيلها حوالي العام 1974 .
زايد والصناعات اليدوية :-
ولما كانت الصناعات اليدوية لأي شعب واحدة من مفردات حياته اليومية وواقعة المعاش ، تكاد تلاحظ فيها خصائص هذا الشعب ، وتتعرف منها أحواله الاقتصادية والاجتماعية ، فقد سادت في فترة ما قبل النفط أنواع من الصناعات التقليدية اليدوية البسيطة ، بساطة الحياة والموارد الطبيعية في ذلك الوقت ، ومنها صناعة غزل الصوف ، والذي كان أحد الموارد الطبيعية المتوفرة من أوبار الإبل وأصواف الأغنام التي عاش الكثيرون من بدو المنطقة على رعيها ، واستخدموها في صنع السجاد والبسط والأغطية وبيوت الشعر ، وكذلك أدوات تساعدهم في ركوب الجمال ، ومثل الخطام لشد الرباط على الأمتعة فوق الناقة ، والساحة التي تفرش على ظهر الجمل ، والخناقة على عنقه ، والشمال لربط ضرع الناقة مع الشداد ، والخرج الذي يتدلى من جانبي الجمل ويحوي أمتعة صاحبه ، والطربوش الملون لتزيين البعير . كما شكل النخيل بخبراته الوفيرة ومن بينها السعف والجريد ، أهمية كبيرة في صناعة ( السرود ) أي السفرة التي توضع على الأرض ثم يوضع فوقها الطعام ، و( المكب ) أو ( المجب ) الذي يغطى به الطعام لحفظه من الذباب والغبار والأتربة ، وصناعة ( المهفات ) للتهوية وجلب الهواء بها أيام ( القيظ ) أي الحر والرطوبة ، والسلال ، وسجاجيد الصلاة والجراب وغيرها من الأدوات البسيطة التي ساعدت على حفظ التمور والملابس .
ثم تأتي صناعة الفخار ، والتي أثبتت الحفريات في مناطق ( جلفار ) رأس الخيمة وأم النار في أبوظبي أنها سادت وازدهرت لفترة طويلة ، وبالطبع فقد اشتغل كثيرون من اهل البلاد بصناعة الفخار واستعمل الجميع منتوجاتها ، ومنها قدور الطبخ ، وأواني الشرب ، وصحون الأكل والفناجين والمباخر . وكادت هذه الصناعات اليديوة أن تنقرض الآن بفضل التطور الصناعي وطغيان الأواني والصناعات المعدنية والبلاستيكية على مظاهر الحياة ، لولا توجيهات صاحب السمو الشيخ زايد حفظه الله بالحفاظ عليها ، بل وحث على تعليمها ونقل خبراتها إلى جيل الشباب ، وحين أسست قرينته سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الأتحاد النسائي لدولة الإمارات بدعم وتشجيع من سموه حفظه الله جمعية نهضة المرأة الظبيانية كأول جمعية نسائية لها نظام ولوائح وقوانين وهيكل تنظيمي وفروع ، فقد وضعت هذه التوجيهات نصب عينيها ، فأنشات مركز الصناعات اليديوة التقليدية بمنطقة المشرف في أبوظبي وجمعت فيه حشداً كبيراً من النساء اللواتي يتقن هذه الحرف ، وشجعتهن على ممارستها وإنتاج كل مايستطعن إنتاجه منها مثل التلي والخوص والزري والجريد والصوف والخياطة والتطريز وصناعة المباخر والدلال ، والورد الصناعية التي تكاد تضاهي الطبيعية منها جمالاً . ثم أفردت لهذه المنتوجات أماكن عرض في مقر الأتحاد النسائي والمقر الرئيسي لجمعية نهضة المرأة الظبيانية وفروعها العديدة المنتشرة في أبوظبي والعين والمنطقة الغربية إضافة للمعارض الكثيرة التي تملكها أو تستاجرها الجمعية في أماكن مميزة مثل مداخل المستشفيات وكاسر الأمواج ، وغيرها .
زايد والطب الشعبي :-
وإذا كانت أوروبا ومن بعدها امريكا تتحدثان الآن عن ( الطب البديل ) الذي يأتي الحديث عنه وبقوة في معرض شعار ( العودة إلى الطبيعة ) فإن العرب كانوا مع الصينيين من اوائل الشعوب المعاصرة التي عرفت هذا النوع من الطب ، وهو ما يعرف بالطب الشعبي ، كما عرف المسلمون الطب النبوي كذلك ، وعرفوا هذه الأنواع من الأعشاب الطبيعية وصنعوا منها العلاجات والوصفات والأدوية بعد الوقوف على طرق مزجها وتركيبها بمقادير دقيقة سجلها وكتب عنها علماؤهم مثل الرئيس ابن سيناء ، وابن النفيس ، وأبي بكر الرازي .
كما عرفوا إلى جانب الدوية طرقاً كثيرة لمداواة أمراض مثل الشقيقة أو الصداع النصفي ، وارتفاع ضغط الدم ، ومن أشهر هذه الطرق ( الحيامة ) أو الحجامة ، وزيارة واحدة بقرية التراث التابعة لنادي تراث الإمارات عصر يوم الخميس من كل أسبوع تظهر مدى الإقبال على هذا النوع من العلاج الشعبي .
وكالعادة .. يأتي زايد سباقاً في الحفاظ على هذا النوع من الطب الشعبي ، فيأمر بإنشاء مركز طب الأعشاب في أبوظبي في الثالث عشر من يناير عام 1989 م ، والذي تحول اعتباراً من العام 1996 م إلى مجمع زايد لبحوث الأعشاب والطب التقليدي ، ويضم نخبة من أمهر الخبراء والأطباء والفنيين العرب والأجانب ، يعملون على تأكيد ما توصل إليه تراثنا العربي والإسلامي في مجالات العلوم الطبية من حقائق علمية ، من خلال الأبحاث التي يجرونها في المختبرات العلمية عالية التقنية والجاهزية على أكثر من خمسين نبتة عشبية جمعت من أماكن متفرقة بالدولة ، وربط المعلومات المتوصل إليها بالجديد والحديث من المعلومات التي تتوصل إليها مراكز ومعاهد الأبحاث المتشابهة في أوروبا وامريكا .
بهدف تطوير مهارات وتقنيات الطب الشعبي , وتقديم الطب البديل و العرج البديل للكيماويات لمن يرغب من المرضى . وليحافظ زايد من خلال هذا المجمع على أحد رموز تراثنا الشعبي في واحد من المجالات التي ولجها الأجداد وحققوا فيها إنجازات كبيرة .